تزامنًا مع حملة مناهضة العنف.. تجدّد الجدل حول إرث النساء في المغرب
تزامنًا مع حملة مناهضة العنف.. تجدّد الجدل حول إرث النساء في المغرب
في سياق حملة الأيام الأممية الـ16 لمناهضة العنف ضد النساء، يتصاعد النقاش مجدداً في المغرب حول أشكال العنف غير المرئية التي تتجاوز الإيذاء الجسدي والنفسي لتشمل ما يُعرف بـ"العنف الاقتصادي والتشريعي".
ويبرز ضمن هذه الأشكال التمييز في الإرث، باعتباره أحد الملفات التي تشطر المجتمع بين رؤية دينية تعدّه التزاماً شرعياً، ورؤية حقوقية ترى فيه معوقاً أمام تحقيق المساواة والعدالة الاقتصادية للنساء.
وذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الأربعاء، أن الجدل حول الإرث لا ينفصل عن تحديات قانونية واجتماعية تواجه النساء، خصوصاً فيما يتعلق بالأراضي السلالية؛ وهي أراضٍ جماعية موروثة عن القبائل، تمثل العمود الفقري للحياة الاقتصادية في القرى، وتتوارثها الجماعات باعتبارها مورد الرزق الأساسي للأسر الريفية.
ورغم الإسهام الكبير للنساء في العمل الزراعي ورعاية الأرض، ظلّت هذه الأراضي تُدار تقليدياً من طرف الرجال، في حين تُحرم النساء من حق التملك أو الانتفاع.
العنف الاقتصادي البنيوي
تؤكد شهادات عديدة أن هذه الممارسات خلقت شكلاً من العنف الاقتصادي البنيوي، رغم تعدد الإصلاحات القانونية خلال السنوات الأخيرة.
ومن بين النماذج الدالة، تُعبّر السيدة فاطمة الزهراء العلوي، وهي إحدى النساء المستفيدات حديثاً من الأراضي السلالية، بقولها: "كنت دائماً أشاهد الرجال فقط يقررون في الأرض، ونحن النساء خارج المعادلة، لكن بعد القانون الجديد حصلت على نصيبي لأول مرة في حياتي".
ويقرّ المغرب وفق القانون رقم 62-17 مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الانتفاع بالأراضي السلالية، وفي المشاركة بالهيئات التمثيلية للجماعة.
ويهدف هذا القانون إلى معالجة إرث طويل من التمييز التاريخي، وربط الإصلاح القانوني بالمشاركة في التنمية المحلية وتعزيز العدالة الاقتصادية.
نفوذ الأعراف القبلية
لكن تطبيق القانون عملياً يواجه تحديات واسعة؛ إذ تظهر تقارير حقوقية أن نساءً كثيرات يصطدمن بمعوقات للتسجيل أو الانتفاع، بسبب استمرار نفوذ الأعراف القبلية، أو بسبب ممارسات إدارية تُقصيهن بذرائع مختلفة مثل شرط "الإقامة".
ويتفاوت تطبيق القانون من جماعة إلى أخرى، وهو ما يجعل الفجوة بين الحقوق المكتوبة والتنفيذ الواقعي واضحة ومؤثرة.
وتكشف تقديرات غير رسمية أن نسبة الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة التي تمتلكها النساء لا تتجاوز 2.5% فقط، رغم كل الإصلاحات التي تم تبنيها.
الإرث غير المتكافئ
تشير دراسات اجتماعية واقتصادية إلى أن الفوارق في الإرث ليست مجرد اختلاف في القسمة، بل عامل بنيوي يقود إلى اتساع الهوة بين الجنسين في الثروة، ويُنتج هشاشة اقتصادية مزمنة للنساء.
ففي المجتمع المغربي، لا تُعدّ ملكية الأرض فقط مورداً للرزق، بل مصدر قوة ورمزية اجتماعية تمنح الاستقرار وتمنح صاحبها صوتاً في القرار الأسري والجماعي.
ويكشف خبراء أن حصول النساء على نصف نصيب الرجال، وعلى مدى خمسة أجيال متتالية، يؤدي إلى تقلص حصة النساء من الثروة العائلية إلى 1% فقط من الثروة الأصلية؛ وهو ما ينسجم مع الواقع الحالي للأراضي الفلاحية المملوكة للنساء.
معالجة ملف الإرث
تبرز التجارب المغاربية والعربية اختلافات في معالجة ملف الإرث والملكية، ففي تونس، تُتاح أشكال من المساواة في التركة في بعض الحالات، في حين تسعى الجزائر إلى تقييد التفويضات التقليدية للأراضي الجماعية لضمان حد أدنى من الحصص للنساء، أما في لبنان والأردن، فما تزال الأعراف الاجتماعية تعد حاجزاً رئيسياً أمام استفادة النساء من الإرث.
هذه المقارنات تُظهر أن المغرب يتحرك ضمن موجة إقليمية أوسع تسعى إلى تقليص التفاوت بين الجنسين، لكنه يواجه تحديات اجتماعية تُبطئ انتقال الإصلاحات من الورق إلى الواقع.
وتوضح الناشطة الحقوقية النسائية، ماريا شرف، أن الأرقام تكشف واقعاً صادماً لغياب المساواة الفعلية في الإرث.
وتقول: "ما نعيشه اليوم هو غياب المساواة الحقيقية، فالقانون والممارسات معاً يمنحان المرأة نصف ما يناله الرجل، كما لو أن قيمتها أو مسؤولياتها أقل".
فجوة في الحقوق
تضيف شرف: "عبر الأجيال، لا يتوقف الأمر عند نصف النصيب، بل يتحول إلى فجوة هائلة، وبعد خمسة أجيال، لا يتبقى للنساء سوى 1% من الثروة الأصلية".
وتشير إلى أن هذا ليس نظرياً، بل تراه على الأرض: "النساء لا يمتلكن سوى 2.5% من الأراضي الفلاحية، وهذا يعكس واقعاً مؤلماً.. من لا يملك أرضاً لا يملك قوة اقتصادية ولا صوتاً اجتماعياً".
وتصف الوضع بقولها: "ما يُمنح للنساء يشبه الزكاة وليس حقاً، إذ تبقى السيطرة الفعلية على الثروة بيد الرجال".
وتختم بالتأكيد أن القضية ليست قانون إرث فقط، بل "منظومة كاملة تعيد إنتاج الهشاشة جيلاً بعد جيل"، وأن المساواة في الإرث هي خطوة ضرورية لإنهاء "أحد أعمق أشكال العنف البنيوي ضد النساء".










